بقلم: الاستاذ محمد عيدني
عادت قضية الأحكام الغيابية لتثير جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والحقوقية بالمغرب، وذلك على خلفية تزايد الشكاوى من تبليغات قضائية “مشبوهة” تتم في غياب المتهم أو المدعى عليه، وتُسلم لأفراد من عائلته، ما يُفضي إلى إصدار أحكام غيابية دون علم المعنيين. هذه الممارسات، بحسب خبراء، تُشكل خرقاً سافراً لحقوق الإنسان وتقوض الثقة في عدالة التقاضي.
“تبليغات مُفبركة وأحكام مُجحفة”.. شهادات تُثير القلق:
تتوالى شهادات مواطنين مغاربة يؤكدون أنهم تفاجأوا بصدور أحكام غيابية ضدهم في قضايا لم يكونوا على علم بها. “اكتشفت بالصدفة أنني مدين بمبلغ كبير لأحد البنوك بموجب حكم غيابي، لم يسبق لي أن توصلت بأي تبليغ بشأنه”، يقول (س.م)، وهو موظف بسيط من مدينة الدار البيضاء. ويضيف: “تبين فيما بعد أن المفوض القضائي سلم التبليغ لوالدتي المسنة التي لا تفقه شيئاً في القانون، ولم يكلف نفسه عناء التأكد من وصوله إلي”.
قصة (س.م) ليست فريدة من نوعها، بل تعكس واقعاً مريراً يعيشه العديد من المغاربة، الذين يجدون أنفسهم ضحايا تبليغات “مُفبركة” وأحكام “مُجحفة” تصدر في غيابهم، دون أن تتاح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم.
قانون المسطرة المدنية في قفص الاتهام:
يُحمّل العديد من الحقوقيين والمحامين قانون المسطرة المدنية جزءاً من المسؤولية عن هذه الإشكالية، خاصة فيما يتعلق بالفصول المتعلقة بالتبليغ. ففي حين ينص الفصل 38 من قانون المسطرة المدنية على أن التبليغ يجب أن يتم شخصياً للمتهم أو المدعى عليه، إلا أنه يسمح أيضاً بالتبليغ لأحد أفراد عائلته أو المقيمين معه في حالة عدم وجوده.
غير أن هذا الاستثناء، بحسب المنتقدين، يُستغل في كثير من الأحيان من قبل بعض المفوضين القضائيين لتمرير التبليغات دون التأكد من وصولها إلى المعنيين، ما يُفضي إلى إصدار أحكام غيابية بناءً على تبليغات “صورية”.
الفصول القانونية ذات الصلة بالتبليغ في قانون المسطرة المدنية المغربي:
الفصل 37: يحدد الجهة المختصة بالتبليغ (المفوض القضائي).
الفصل 38: ينص على كيفية التبليغ، ويحدد أن الأصل هو التبليغ الشخصي للمعني بالأمر.
الفصل 39: يحدد البيانات التي يجب أن يتضمنها محضر التبليغ.
الفصل 40: يتناول حالة رفض الشخص المعني تسلم التبليغ.
الفصل 41: يتناول حالة عدم وجود الشخص المعني في محل إقامته أو عمله.
الفصل 44: يحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها في حالة عدم العثور على الشخص المراد تبليغه، بما في ذلك إرسال رسالة بالبريد المسجل.
دعوات إلى تعديل القانون وتشديد الرقابة على المفوضين القضائيين:
أمام هذا الوضع، تتصاعد الأصوات المطالبة بتعديل قانون المسطرة المدنية بما يضمن حماية حقوق المتقاضين، ويمنع التلاعب بالتبليغات القضائية. كما يطالب الحقوقيون بتشديد الرقابة على عمل المفوضين القضائيين، ومحاسبة المخالفين منهم.
“لا يمكن القبول باستمرار هذه الممارسات التي تُهدر حقوق المواطنين وتقوض الثقة في القضاء”، يقول المحامي (ن.ك)، المتخصص في قضايا الحقوق المدنية. ويضيف: “يجب على وزارة العدل أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في حماية حقوق المتقاضين، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة لتعديل القانون وتفعيل الرقابة على المفوضين القضائيين”.
مستقبل التقاضي الغيابي على المحك:
تبقى قضية التبليغات “المشبوهة” والأحكام الغيابية تحدياً كبيراً يواجه النظام القضائي المغربي. فهل ستنجح الجهود المبذولة لتعديل القانون وتفعيل الرقابة على المفوضين القضائيين في تحقيق عدالة التقاضي وضمان حقوق المتقاضين؟ الأيام القادمة ستكشف عن مصير هذا الملف الشائك.