في مشهد يحمل رمزية سياسية عميقة تتجاوز حدود فنزويلا، أعلنت لجنة نوبل، الجمعة، فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية “ماريا كورينا ماتشادو” بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، تقديرًا لجهودها في “قيادة انتقال عادل وسلمي من نظام ديكتاتوري إلى آخر ديمقراطي”، رغم ما تتعرض له من ملاحقة وإقصاء واضطرارها إلى العيش في الخفاء.
رئيس لجنة نوبل، “يورغن واتنه فليدنس”، قال في أوسلو إن “ماتشادو” “قدّمت مثالًا استثنائيًا على الشجاعة في النشاط المدني بأميركا اللاتينية خلال العقد الأخير”، مشيرًا إلى أنها “أصبحت شخصية محورية في توحيد المعارضة الفنزويلية، بعدما كانت تعاني انقسامات عميقة حالت دون تشكل جبهة سياسية موحدة”.
من مهندسة إلى رمز للحرية
“ماتشادو”، البالغة من العمر 58 عامًا، وُلدت في “كاراكاس” ودرست الهندسة الصناعية قبل أن تنخرط في العمل المدني والسياسي عبر منظمة “سوماتي” المعنية بمراقبة الانتخابات. سرعان ما تحوّلت إلى أحد أبرز الأصوات المعارضة لنظام الرئيس الراحل “هوغو تشافيز”، ثم خلفه “نيكولاس مادورو”، لتصبح لاحقًا الوجه المدني الأبرز في الكفاح من أجل الديموقراطية.
أسست حزب «فِنتي فنزويلا» (Vente Venezuela)، وقادت حملات سياسية واسعة ضد الفساد وسوء الإدارة، وبرزت بقوة في الانتخابات التمهيدية للمعارضة في أكتوبر 2023، حيث حصدت أكثر من 90% من الأصوات، أي ما يقارب ثلاثة ملايين صوت، لتكرّس موقعها كمرشحة أولى لمنافسة “مادورو” في الانتخابات الرئاسية.
لكن النظام رد بإقصائها من الترشح بقرار من المحكمة العليا عام 2024، في خطوة وصفتها منظمات دولية بأنها “اجتثاث سياسي” هدفه تهميش أي منافسة حقيقية، والتضييق على مبدأ التداول على السلطة.
جائزة في مواجهة القمع
اللجنة النرويجية أوضحت أن ماتشادو “اختارت البقاء في بلادها رغم التهديدات الخطيرة لحياتها، وواصلت نضالها السلمي دفاعًا عن الحقوق السياسية لمواطنيها”، معتبرة أن “صمودها في وجه القمع ألهم ملايين الفنزويليين، خاصة في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية”.
منح الجائزة لمعارضة تعيش في السر، بحسب مراقبين، يُعد رسالة واضحة من لجنة نوبل إلى الأنظمة السلطوية في العالم، بأن القيم الديموقراطية وحرية التعبير تظل معيارًا أساسياً لتكريم السلام، كما يعكس دعمًا دوليًا رمزيًا للحراك المدني في أميركا اللاتينية.
بين الاحتفاء والقلق
وفيما رحّبت قوى المعارضة في فنزويلا بالجائزة بوصفها “انتصارًا للحرية ولصوت الشعب”، لاذ النظام الرسمي في “كاراكاس” بالصمت، وسط مخاوف من أن يدفع التكريم إلى تشديد الملاحقات بحق معارضي الحكومة.
ويرى مراقبون أن هذه الجائزة قد تمنح “ماتشادو” شرعية دولية مضاعفة في مواجهة نظام “مادورو”، لكنها تضعها أيضًا أمام تحديات جديدة، أبرزها ترجمة هذا الدعم المعنوي إلى مكاسب سياسية ملموسة على الأرض، في بلد يعيش أزمة اقتصادية خانقة وهجرة جماعية تجاوزت سبعة ملايين شخص خلال العقد الماضي.
إشارة إلى العالم
اختيار لجنة نوبل لماتشادو يأتي في عام بلغت فيه قائمة المرشحين 338 اسمًا، من بينهم زعماء وقادة منظمات من مختلف القارات. إلا أن التكريم الممنوح لمعارضة فنزويلية محاصَرة يعكس، وفق محللين، رغبة اللجنة في إعادة تسليط الضوء على النضال السلمي بوصفه أداة مقاومة فعّالة ضد الاستبداد.
وبينما تتجه الأنظار إلى ردّ فعل الحكومة الفنزويلية، يبقى فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام حدثًا يتجاوز شخصها، ليعيد إلى الواجهة سؤالًا أعمق: هل يمكن أن تتوطد الديمقراطية في زمن تُقمع فيه الأصوات الحرة؟