بقلم: عيدني محمد_مراكش
تواصل الجهات المحلية في مراكش جهودها الحثيثة للحفاظ على المواقع التراثية والتاريخية التي تشكل جزءًا أصيلًا من هوية المدينة وجذورها العميقة، خاصة مع تصاعد التحديات المتعلقة بالتلوث والاهتراء الذي يهدد تلك المواقع الفريدة. وفي إطار استراتيجية متكاملة تهدف إلى حماية البيئة والتراث، تم استحداث وتنفيذ سلسلة من المبادرات التوعوية والبيئية، التي تركز على التقليل من مصادر التلوث، وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على المعالم التاريخية.
تُعد مدينة مراكش واحدة من أبرز المدن التاريخية في العالم، وتحتضن العديد من المواقع التي تعكس عراقة الحضارة المغربية، وعلى رأسها القصبة ومدينة مراكش القديمة، التي تمثل لوحة فنية متكاملة من العمارة التقليدية والأحياء العريقة. ويبرز في هذا السياق إصرار الجهات المختصة على تنفيذ برامج تهدف إلى ترسيخ ثقافة المحافظة على التراث، جنبًا إلى جنب مع الجهود الرامية إلى الحد من الأضرار البيئية التي تهدد هذه المواقع التاريخية.
وفي سبيل ذلك، تم إطلاق مبادرات بيئية ملموسة، تشمل حملات لتنظيف المواقع القديمة، وإعادة تهيئة المساحات المجاورة، وتركيب أنظمة تصفية وتنقية المياه والهواء، وفق أحدث التقنيات العالمية، بهدف التقليل من التلوث الذي يضر بالبيئة والأثر المعماري على حد سواء. كما تشمل تلك المبادراتُ حملات توعوية واسعة تستهدف المجتمع المحلي والسكان والزوار، للمساهمة في المحافظة على نظافة المرافق، وتجنب سلوكيات الإهمال أو التدمير غير المقصود للموروث الثقافي.
بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز التعاون بين السلطات البيئية، والمهندسين المعماريين، والفاعلين المدنيين، لتحقيق أهداف مشتركة تتعلق بإعادة الترميم والتدعيم المستدام للمواقع التاريخية، مع مراعاة معايير الحماية البيئية. فهي ليست مجرد أعمال ترميم، وإنما برامج تتسم بالاستدامة، بحيث تضمن عدم استنزاف الموارد الطبيعية والتقليل من الانبعاثات الضارة، في إطار خطة شاملة تواكب التطورات التكنولوجية وتراعي الحفاظ على التاريخ والأصالة.
وفي سياق هذه المبادرات، أكد العديد من الفاعلين والمهتمين أن التوعية عنصر أساسي، إذ أن عمل حفظ التراث لا يقتصر على الإجراءات الميدانية فحسب، وإنما يمتد إلى زرع ثقافة المسؤولية لدى الأجيال القادمة، من خلال تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية تهدف إلى تعزيز احترام التراث وتعميق الوعي بأهمية الحفاظ عليه كمصدر فخر ووثيقة تاريخية حية.
كما تركز هذه الجهود على تنمية المسؤولية المجتمعية، عبر تنظيم فعاليات وأنشطة بيئية تطوعية، تشجع المجتمع على المشاركة الفاعلة، وتوحيد الجهود من أجل حماية معالم المدينة التاريخية وترسيخ الدور الثقافي والبيئي الذي تلعبه في تعزيز هوية مراكش كمركز سياحي وتاريخي بارز.
وفي الختام، يمكن القول أن هذه المبادرات تؤكد عزم مراكش على مواصلة مسيرتها في الحفاظ على إرثها الغني، مع مواجهة التحديات البيئية بحلول مبتكرة ومستدامة، من شأنها أن تضمن بقاء المواقع التاريخية نابضة بالحياة، متمسكة بعبق الزمن، وقادرة على استقبال الأجيال القادمة بشكل يعكس قيمة التراث ويعزز من تميز المدينة سياحيًا و ثقافيًا.