ينعقد اليوم المؤتمر الاستثنائي لنقابة الصحافيين بإقليم الجديدة، في محطة مفصلية تعكس التحول العميق في وعي الجسم الصحافي المحلي بضرورة إرساء تنظيم مهني مستقل، قادر على تأطير الممارسة الإعلامية وضمان استمراريتها في إطار من المسؤولية والاحترافية.
يأتي هذا المؤتمر بعد مسار طويل من المحاولات التي امتدت لأكثر من عقد من الزمن، سعت خلالها فعاليات صحافية محلية لتأسيس إطار جامع يُعبر عن تطلعات المشتغلين في القطاع، ويحصّنهم في مواجهة التحديات المتعددة التي تعرفها مهنة الصحافة، لا سيما على الصعيدين التنظيمي والأخلاقي.
منذ سنة 2015، شهدت مدينة الجديدة مبادرات متعددة لتجسيد هذا الطموح، بدأت مع تأسيس جمعية الإعلام بالجديدة، التي لم تُكتب لها الاستمرارية، وتلتها جمعية الأعمال الاجتماعية للصحافيين التي توقفت بعد وفاة مؤسسها الصحافي الراحل جمال هناوة، قبل أن تُستكمل إجراءاتها القانونية لاحقاً.
كما توالت محاولات أخرى لتأسيس نقابات أو جمعيات مهنية، لكنها افتقرت إلى الاستدامة والرؤية الموحدة، وظلت محكومة بخلافات شخصية وانقسامات داخلية عطّلت إمكانية بلورة مشروع مهني جامع، ووصلت أحياناً إلى حد محاولة إجهاض مبادرات واعدة، كما وقع مع جائزة مولاي عبد الله أمغار للصحافة التي تعرضت لهجوم شرس وهي في مهدها، قبل أن ترى النور بفضل إصرار منظميها ودعم الفاعلين المهنيين.
كل هذه التجارب المتعثرة ساهمت في ترسيخ قناعة جماعية لدى الصحافيين المحليين بأن الإصلاح لن يأتي من الخارج، بل من إرادة داخلية تؤمن بأن التنظيم المهني ليس ترفاً، بل ضرورة لحماية المهنة وتطويرها.
ومع مرور الوقت، بات واضحاً أن من يرى في الإطار المهني تهديداً لمكانته أو امتيازاته، إنما يخطئ فهم جوهر الصحافة كمهنة نبيلة ومسؤولة، لا كأداة للضغط أو وسيلة للارتزاق.
شكل اللقاء التواصلي الأخير حول الحماية القانونية والاجتماعية للمراسلين الصحافيين نقطة تحول فارقة في هذا المسار، إذ أعاد بناء الثقة بين مكونات الجسم الصحافي المحلي، وأرسل رسالة واضحة بالدعوة إلى الوحدة والعمل المشترك.
هذه الدينامية الإيجابية أثمرت عن إطلاق مبادرات نوعية، من بينها تأسيس أكاديمية للتكوين المستمر في مجال الصحافة، وفتح فضاءات للنقاش والتكوين بمبادرة من مركز ومضة للإعلام والتنمية، الذي ساهم بدوره في ترسيخ ثقافة الانفتاح وتثمين الريادة الإعلامية التي تميز بها الإقليم على مدى عقود.
ويأتي المؤتمر الاستثنائي الحالي كنقطة انطلاق جديدة، تهدف إلى إعادة هيكلة نقابة الصحافيين بالإقليم على أسس متجددة تعزز استقلالية القرار النقابي المحلي بعيداً عن أي وصاية أو تبعية.
وتراهن النقابة على أن تكون فضاءً جامعاً لكل الصحافيين المهنيين والمراسلين الجادين، منفتحة على كل الطاقات، ومبنية على قناعة راسخة بأن الفعل النقابي الحقيقي يتأسس من الميدان، لا من خلف المكاتب، وأن مشروع “بيت الصحافة” الذي تطمح إليه، يجب أن يكون مؤسسة مواطِنة، تؤطر وتواكب وتكون منصة للتكوين المستمر وتبادل الخبرات.
وفي ظل ما يزخر به إقليم الجديدة من كفاءات إعلامية وطاقات شابة ومشاريع اقتصادية كبرى، تزداد الحاجة إلى إعلام محلي جاد، يعكس نبض المجتمع، ويواكب التغيرات التنموية، ويمارس دوره الحيوي في المراقبة والتوعية وتنوير الرأي العام، في احترام تام لأخلاقيات المهنة ومقتضياتها القانونية.
بهذا المؤتمر، تفتح نقابة الصحافيين بالجديدة صفحة جديدة في تاريخها، عنوانها التنظيم الذاتي، وغايتها خدمة المهنة، والدفاع عن كرامة الصحافيين، وترسيخ مكانتهم كشركاء أساسيين في التنمية المحلية، بما يعزز من مساهمتهم في بناء مجتمع ديمقراطي، تعددي، ومطلع على حقوقه وواجباته.