بقلم: الأستاذ محمد عيدني
يمر المغرب بمرحلة مفصلية في رحلة إصلاح منظومته العدلية، حيث يتصدر المشهد نقاش حيوي حول مدى فاعلية العقوبات البديلة كخيار بديل للعقوبات السالبة للحرية. ومع دخول القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيز التنفيذ في أبريل 2024، يترقب المجتمع المغربي عن كثب النتائج الملموسة لتطبيق هذه العقوبات على أرض الواقع، وسط تباين وجهات النظر بين مؤيدين يرون فيها بصيص أمل نحو عدالة أكثر إنسانية وإصلاحية، ومعارضين يشككون في قدرتها الفعلية على تحقيق الردع العام المنشود.
الدافع وراء تبني المغرب لهذا النهج الجديد في مجال العدالة الجنائية يكمن في عدة عوامل متداخلة، أبرزها الاكتظاظ المزمن الذي تعاني منه السجون المغربية، والذي يتجاوز القدرة الاستيعابية بشكل كبير، مما يضع ضغوطاً هائلة على الموارد المتاحة ويؤثر سلباً على الظروف المعيشية للنزلاء. بالإضافة إلى ذلك، تفرض إدارة السجون تكاليف باهظة على الدولة، مما دفع بالمشرع المغربي إلى التفكير في بدائل أكثر فعالية من حيث التكلفة وأكثر جدوى من حيث تحقيق الأهداف الإصلاحية. تهدف العقوبات البديلة إلى تخفيف الضغط على السجون وإعطاء فرصة ثانية للمحكوم عليهم لإعادة الاندماج في المجتمع كمواطنين صالحين. تتنوع هذه العقوبات وتشمل العمل لأجل المنفعة العامة، والذي يسمح للمحكوم عليه برد اعتباره من خلال خدمة المجتمع، والمراقبة الإلكترونية، التي توفر بديلاً أقل تقييداً للحرية مع الحفاظ على الأمن العام، وتقييد بعض الحقوق، مثل الحق في السفر أو حمل السلاح، والغرامة اليومية، التي تعتمد على الدخل اليومي للمحكوم عليه لضمان عدالة أكبر، والخضوع للعلاج أو التأهيل، خاصة في حالات الإدمان أو الاضطرابات النفسية.
يؤكد خبراء القانون أن نجاح هذه التجربة يعتمد بشكل كبير على توفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ العقوبات البديلة بشكل فعال، بما في ذلك توفير مراكز للمراقبة الإلكترونية وتأهيل الكوادر المتخصصة في الإشراف على المحكوم عليهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر ضمان رقابة صارمة على المحكوم عليهم أمراً بالغ الأهمية لضمان التزامهم بالشروط المفروضة عليهم ومنعهم من ارتكاب جرائم جديدة. وفي هذا السياق، يرى الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الجنائي، عبد السلام العلمي، أن “العقوبات البديلة تمثل خطوة إيجابية نحو تحديث منظومة العدالة الجنائية في المغرب، ولكن يجب أن تكون مصحوبة بإصلاحات شاملة في النظام القضائي، بما في ذلك تبسيط الإجراءات وتسريع المحاكمات وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للمحكوم عليهم”.
على الرغم من الإيجابيات المحتملة للعقوبات البديلة، إلا أنها تواجه أيضاً بعض التحديات والعقبات التي يجب التغلب عليها لضمان تحقيق الأهداف المنشودة. من بين هذه التحديات نظرة المجتمع إلى هذه العقوبات، حيث قد يرى البعض أنها لا تمثل رداً كافياً على الجريمة وأنها تشجع على الإفلات من العقاب. لذلك، من الضروري توعية الجمهور بأهمية العقوبات البديلة ودورها في تحقيق العدالة الإصلاحية. كما أن ضمان رقابة فعالة على المحكوم عليهم وتنفيذ العقوبات البديلة يتطلب موارد مالية وبشرية كبيرة، بالإضافة إلى تنسيق فعال بين مختلف الجهات المعنية، بما في ذلك الشرطة والقضاء والسجون والمنظمات غير الحكومية. وأخيراً، يعتبر توفير برامج تأهيل وإدماج فعالة للمحكوم عليهم أمراً ضرورياً لضمان عدم عودتهم إلى الجريمة، وذلك من خلال توفير فرص عمل وتدريب مهني ودعم نفسي واجتماعي.
يمثل تطبيق العقوبات البديلة في المغرب تجربة حديثة نسبياً تحتاج إلى تقييم مستمر وتطوير دائم، ولا شك أن نجاحها سيعتمد على تضافر جهود جميع الأطراف المعنية، من قضاة ومحامين ومسؤولين حكوميين ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تحقيق العدالة والإصلاح وإعادة الإدماج، وبناء مجتمع أكثر أمناً وازدهاراً.