يستعد المغرب لعرض مشروع قانون مالية 2026 قبل 20 أكتوبر الجاري، في خطوة تمثل محطة حاسمة ضمن الإصلاحات الجبائية المستمرة منذ المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات سنة 2019، والتي وضعت أسس قانونية لتحديث النظام الضريبي وتعزيز قدرته على تمويل السياسات العمومية.
وتشهد الإيرادات الجبائية للمملكة تطوراً ملموساً، إذ ارتفعت من 201 مليار درهم سنة 2021 إلى أكثر من 300 مليار درهم مع نهاية السنة الجارية، نتيجة الإصلاحات الهيكلية التي شملت تبسيط الإجراءات الضريبية، توسيع قاعدة الاقتطاع من المنبع، ومحاربة التهرب الضريبي، فضلاً عن مراجعة الحوافز المرتبطة بإعادة هيكلة المقاولات.
ويهدف مشروع قانون مالية 2026، وفق التقرير الأخير لوزارة الاقتصاد والمالية، إلى إدماج الاقتصاد غير المهيكل ضمن المنظومة الجبائية، وهو قطاع يشكل تحدياً كبيراً للمالية العامة، ويستدعي آليات مبتكرة للتسجيل والرقابة، بما يضمن العدالة الجبائية وتوسيع قاعدة الضرائب دون زيادة العبء على المواطنين.
كما يتضمن المشروع إصلاحات جمركية مهمة، أبرزها إحداث آلية لتتبع المنتجات النفطية للحد من الغش، توسيع نطاق العلامة الضريبية لتشمل السكر ومشتقات التبغ، ومواصلة إصلاح الضريبة الداخلية على الاستهلاك المفروضة على السجائر حتى سنة 2026، بما يعزز شفافية المعاملات ويحد من التهرب.
ويرى خبراء الاقتصاد أن مشروع القانون يمثل اختباراً لقدرة الدولة على الموازنة بين العدالة الاجتماعية واستدامة المالية العامة. وأوضح عبد الرزاق الهيري، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، أن الإصلاح الجبائي “يمثل مرجعية استراتيجية لتمويل السياسات التنموية وتعزيز العدالة المجالية، مع ضرورة إدماج القطاع غير المنظم وتحسين التحفيزات الضريبية”.
بدوره، أكد خالد حمص، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس، أن “العدالة الجبائية تمثل التحدي الأكبر في آخر قوانين المالية الحالية، ما يجعل من توسيع الوعاء الضريبي دون زيادة العبء على المواطنين أولوية، مع إيجاد آليات تمويل مبتكرة لدعم قطاعي الصحة والتعليم”.
ويعتبر مشروع قانون مالية 2026، وفق الملاحظات الاقتصادية، خطوة محورية نحو تعزيز الشفافية، تحسين أداء النظام الضريبي، وتمكين الدولة من تحقيق أهدافها التنموية، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتنامية، بما يرسخ نموذجاً مستداماً للمالية العمومية المغربية في السنوات القادمة.