بقلم الأستاذ محمد عيدني – فاس
شهدت أروقة الأمم المتحدة في نيويورك لحظة حاسمة حين وجّه المتدخلون أمام اللجنة الرابعة للجمعية العامة، إدانات قوية ضد الانتهاكات الجسيمة التي تُرتكب داخل مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر.
فقد تحولت هذه المخيمات، بحسب الشهادات الموثقة، إلى فضاءات مغلقة تُمارَس فيها كل أشكال الاستغلال، من تجنيدٍ عسكريٍ للأطفال إلى انتهاكٍ صارخٍ لحقوق الإنسان، في ظل صمتٍ دوليٍ مريب ودعمٍ مباشر من الدولة المضيفة، الجزائر.
خلال الجلسة، ندد ممثلو منظمات حقوقية ودولية بتورط ميليشيات البوليساريو في تجنيد القاصرين والزج بهم في تدريبات عسكرية قاسية، مخالفةً بذلك كل المواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفولة، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل والبروتوكولات الإضافية المتعلقة بالنزاعات المسلحة.
وأكد المتدخلون أن صور الأطفال وهم يرتدون الزي العسكري ويحملون السلاح داخل المخيمات، لم تعد مجرد تقارير صحفية، بل حقائق موثقة تفضح الوجه الحقيقي لمن يزعمون الدفاع عن “الحرية”.
ولم تقف الإدانة عند حدود التجنيد فحسب، بل طالت أيضاً واقع الفساد المستشري داخل هذه المخيمات، حيث أشار عدد من المتحدثين إلى غياب تام للشفافية، وتورط قادة البوليساريو في شبكات تهريب وجرائم منظمة تمتد عبر حدود الساحل والصحراء، بما حول هذه المنطقة إلى نقطة سوداء في خريطة الأمن الإفريقي.
ووصف أحد المتدخلين الوضع في تندوف بأنه “مأساة إنسانية مغلفة بشعارات سياسية”، مؤكداً أن آلاف العائلات محتجزة منذ عقود في ظروف لا إنسانية، محرومة من أبسط حقوقها في حرية التنقل والعيش الكريم. بل إن هذه المخيمات تحولت إلى ما يشبه “سجناً مفتوحاً” تُنتهك فيه الكرامة والحقوق الأساسية، دون أي رقيب أو مساءلة.
وفي ختام النقاش، دعا ممثلو المجتمع الدولي إلى تفكيك هذه المخيمات بشكل عاجل، باعتبارها رمزاً للفشل الإنساني والسياسي في المنطقة، وطالبوا بتمكين سكانها من العودة الكريمة إلى وطنهم الأم، في إطار الحل الواقعي الذي اقترحه المغرب والمتمثل في مخطط الحكم الذاتي.
هذا المقترح، بحسب المشاركين، يُعد اليوم الحل الوحيد القادر على إنهاء معاناة الآلاف ووضع حد لسياسة الاحتجاز والاستغلال التي تمارسها قيادة البوليساريو بدعم من الجزائر.
ويرى المراقبون أن هذا الموقف الدولي المتجدد يمثل تحولاً نوعياً في طريقة مقاربة المجتمع الدولي لقضية الصحراء، إذ لم يعد الخطاب مقتصراً على البعد السياسي للنزاع، بل أصبح يركز على البعد الإنساني والحقوقي، وعلى مسؤولية الجزائر القانونية والأخلاقية تجاه ما يحدث على أراضيها.
إن صرخة نيويورك ليست مجرد بيان دبلوماسي، بل رسالة واضحة بأن زمن التواطؤ قد ولى، وأن العالم بدأ يرى الحقيقة كما هي: أطفال يُختطفون من طفولتهم ليحملوا السلاح، ومخيمات تُدار كدويلات معزولة خارج القانون الدولي، وشعب يُستخدم ورقة ضغط في لعبة جيوسياسية فقدت مبرراتها منذ زمن.
وهكذا، تعود قضية تندوف إلى واجهة النقاش الأممي من بوابة الإنسانية قبل السياسة، في انتظار أن تُترجم هذه الإدانات إلى خطوات عملية تُنقذ الطفولة من التجنيد، والكرامة من الأسر، والمنطقة من عبثٍ طال أمده.
